قصيدة (اللغة العربية)
حافظ ابراهيم
رَجَعْـتُ لِنَفْـسِي فَإتَّهَمْتُ حَصَـاتِي
وَنَادَيْـتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْـتُ حَيَـاتِي
رَمُونِي بِعُقْـمٍ فِي الشَّـبَابِ وَلَيْتَنِـي
عَقِمْـتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَـوْلِ عـدَاتِي
وَلَـدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِـدْ لِعَـرَائِسِـي
رِجَـالاً وَأَكْـفَـاءً وَأَدْتُ بَنَـاتِـي
وَسَعْـتُ كِتَـابُ اللهِ لَفْظَاً وَغَـايَـةً
وَمَا ضِقْـتُ عَـنْ آيٍ بِهِ وَعِظَـاتِ
فَكَيْـفَ أعْجَـزُ عَـنْ وَصْـفِ آلَةٍ
وَتَـنْسِيـقِ أَسْـمَاءٍ لِمُخْتَـرَعَـاتِ
أَنَا البَحْـرُ فِي أَحْشَـائِهِ الدُّرُّ كَـامِنٌ
فَهَلْ سَـاءَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَـاتِي
فَيَا وَيْحَكُـمْ أَبْلَى وَتُبْلَـى مَحَاسِنِـي
وَمِنْكُـمْ وَإِنْ عَـزَّ الـدَّوَاءُ أسَـاتِي
فَـلاَ تَـكِلُـونِي للـزَّمَـانِ فَـإِنَّنِي
أَخَـافُ عَلَيْكُـمْ أَنْ تَـحِيْنَ وَفَـاتِي
أَرَى لِرِجَـالِ الغَـرْبِ عِـزّاً وَمِنْعَـةً
وَكَـمْ عَـزَّ أَقْـوَامٌ بِـعِـزِّ لُغَـاتِ
أَتَـوا أَهْلَـهُمْ بِـالمُعْجِـزَاتِ تَفَنُّنـاً
فَيَـا لَيْتَكُـمْ تَـأْتُـونَ بِالكَلِمَـاتِ
أَيَطْرِبُكُـمْ مِنْ جَانِبِ الغَـرْبِ نَاعِبٌ
يُنَـادِي بِـوَأدِي فِي رَبِيْـعِ حَيَـاتِي
وَلَوْ تَزْجِـرُونَ الطَّيْـرَ يَوْماً عَلِمْتُـمْ
بِمَـا تَحْتَـهُ مِـنْ عَثْـرَةٍ وَشَـتَاتِ
سَقَـى اللهُ فِي بَطْنِ الجَـزِيرَةِ أَعْظُـماً
يَعِـزُّ عَـلَيْـهَا أَنْ تَـلِيْـنَ قَنَـاتِي
حَـفَظْـنَ وَدَادِي فِــي البِـلَـى
وَحَفِظْتُـهُ لَهُنَّ بِقَلْبٍ دَائِمِ الحَسْـرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ وَالشَّرْقِ مُطْـرقٌ
حَيَـاءً بِتِـلْكَ الأَعْظُـمِ النَّخِـرَاتِ
الشمس
لاحَ منها حاجبٌ للناظرِينْ
فنَسُوا بالليلِ وَضّاحَ الجَبينْ
ومَحَتْ آيَتُها آيَتَهُ
وتَبَدّتْ فتنَةً للعالَمينْ
نَظَرَ ابراهامُ فيها نَظرَةً
فأرَى الشكَّ وما ضّلَّ اليقينْ
قال: ذا رَبّي، فلمّا أفَلَتْ
((قال: إنّي لا أُحبُّ الآفِلينْ))
ودَعَا القَومَ إلى خالِقِها
وأتَى القَومَ بسُلطانٍ مُبِينْ
رَبّ إن الناسَ ضَلّوا وغَوَوا
ورأوا في الشمس رأيَ الخاسرينْ
خَشَعَتْ أبصارُهمْ لمّا بَدَتْ
وإلى الأذقانِ خَرّوا ساجدينْ
نَظَروا آياتِها مُبصِرَةً
فعَصَوا فيها كَلامَ المُرسَلِينْ
نَظَرُوا بَدرَ الدُّجَى مرْآتَها
تَتَجَلّى فيهِ حيناً بعدَ حينْ
ثمّ قالوا: كيفَ لا نَعبُدُها
هلْ لها فيما تَرَى العَينُ قَرينْ
هيَ أُمُّ الأرضِ في نِسبَتِها
هيَ أُمُّ الكَونِ والكونُ جَنين
هيَ أُمُّ النّارِ والنّورِ مَعاً
هيَ أُمُّ الرّيحِ والماءِ المَعينْ
هيَ طَلعُ الرَّوضِ نَوراً وجنىً
هي نَشَرُ الوّردِ، طيبُ الياسَمينْ
هيَ مَوتٌ وحَياةٌ لِلوَرى
وضَلالٌ وهُدىً للغابرِينْ
صَدَقوا لكنّهمْ ما عَلِمُوا
أنّها خَلْقٌ سيَبلَى بالسّنينْ
أإلهٌ لَم يُنَزِّهْ ذاتَهُ
عَن كسوفٍ؟ بئس زَعَمُ الجاهلينْ
إنّما الشمسُ وما في آيِها
مِن مَعانٍ لَمَعتْ للعارِفِينْ
حِكمَةٌ بالِغَةٌ قد مَثّلَتْ
قُدرَةَ اللهِ لقَومٍ عاقِلِينْ